سورة الأنبياء - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ(58)}
ونلحظ هنا أن السياق القرآني يحذف ما يُفهم من الكلام، كما في قصة سليمان- عليه السلام- والهدهد: {اذهب بِّكِتَابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: 28] وحَذْف ما كان من الهدهد ورحلته إلى بلقيس، وإلقائه الكتابَ إليها، وأنها أخذتْه وعرضتْه على مستشاريها: {قَالَتْ ياأيها الملأ إني أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: 29].
ومعنى {جُذَاذاً...} [الأنبياء: 58] أي: قطعاً متناثرة وحطاماً، بعد أنْ كانت هياكل مجتمعة {إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ..} [الأنبياء: 58] أي: أنه تركه فلم يحطمه، وقد كانوا يضعون الأصنام على هيئة خاصة و(ديكور)، بحيث يكون الكبير في الوسط، وحوله الأصنام الصغيرة يعني: كأن له سيطرةً عليهم ومنزلة بينهم، وكانوا يضعون في عينه الزبرجد، حتى يُخيَّل لمَنْ يراه أنه ينظر إليه.
وقوله: {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 58] فيسألونه عَمَّا حدث لأولاده الآلهة الصغار، ولماذا لم يدافع عنهم خاصةً وقد وجدوا الفأْس على كتفه؟ {قَالُواْ مَن فَعَلَ هذا...}.


{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ(59)}
أي: لما ذهبوا إلى المعبد الذي يعبدون فيه أصنامهم وجدوها مُحطمة فقالوا: {مَن فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين} [الأنبياء: 59] لأنه اعتدى على الآلهة السليمة وكسَّرها.
إذن: هذه الآلهة لا تستطيع أنْ تدفع عن نفسها الضر، وكان عليهم أنْ يتنبّهوا إلى هذه المسألة، كيف يقبَلُون عبادتها، ولو أوقعت الريحُ أحدهم لكسرته، فيحتاج الإله إلى مَنْ يُصلِح ذراعه ويُرمِّمه ويُقيمه في مكانه، فأيُّ ألوهية هذه التي يدافعون عن حقوقها؟!


{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ(60)}
أي: تطوع بعضهم وقالوا هذا، وكان للقوم يوم مُحدّد يذهبون فيه إلى معبدهم ومكان أصنامهم، ويأخذون طعامهم وشرابهم، ويبدو أنه كان يَوْمَ عيد عندهم، وقد استعدّ آزر لهذا اليوم، وأراد أنْ يأخذ معه إبراهيم لعلَّ الآلهة تجذبه فيهتدي وينصرف عَمَّا هو فيه.
لكن إبراهيم عليه السلام ادّعى أنه مريض، لا يستطيع الخروج معهم، فقال {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] وعندها عزم إبراهيم على تحطيم أصنامهم وقال: {وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ} [الأنبياء: 57] سمعه بعض القوم فأخبرهم بأمره.

{قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ...} [الأنبياء: 60] والذكْر هنا يعني بالشر بالنسبة لهم، {يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 60] يعني: اسمه إبراهيم، أو حين نناديه نقول: يا إبراهيم.
ثم يقول الحق سبحانه: {قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ على أَعْيُنِ...}.

16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23